محمود الرفاعي يكتب: عادل إمام... ضحكة مصر التي لا تغيب

هو ليس مجرد فنان، بل حالة مصرية خالصة.
هو ابن المسرح والشارع والناس، من صاغ بضحكته ذاكرة أجيال، وترك في كل بيت مصري أثرًا لا يُمحى.
إنه عادل إمام، الزعيم الذي لم تمنحه الألقاب مكانته، بل منحه الجمهور حبًا صنع له مجدًا لا يشبه غيره.
منذ ظهوره الأول في نهاية ستينيات القرن الماضي، لم يكن “عادل” ممثلًا عاديًا. كان مشروعًا دائم التطور، يحمل على كتفيه مسؤولية الفن، ويقف على المسرح وكأنه يقف في حضرة الوطن.
في مدرسة المشاغبين، عرفه الناس كمشاغب يضحكهم ويوقظ فيهم شقاوة القلب. وفي شاهد ما شافش حاجة والزعيم والواد سيد الشغال، رسّخ مكانته كأيقونة كوميدية لا تُقلّد ولا تُكرر.
لكن الزعيم لم يكتفِ بالكوميديا، بل دخل عوالم السياسة والاجتماع والدين دون خطب أو شعارات، بل عبر الضحك الواعي.
في أفلام مثل الإرهاب والكباب والإرهابي وطيور الظلام، لم يكن فقط يُضحك الناس، بل يُصوّب وعيهم، يُثير أسئلتهم، ويضعهم في قلب الواقع دون تزييف.
هو صوت الناس حين يصمتون، ولسانهم حين يخشون الحديث، وهو ظلّهم الخفيف في أوقات الظلال الثقيلة.
ضحكته ليست مجرد قهقهة، بل أغنية من أغاني الوطن، تسري في الطرقات، وتطرق أبواب القلوب دون استئذان.
عادل إمام هو حالة فنية متفردة، لأنه ببساطة لم يمثل دورًا… بل عاشه.
في كل مشهد كان قطعة من روحه، وفي كل فيلم كان مرآة للناس، يتنقل بخفة ما بين الهزل والوجع، ما بين السخرية والوجدان، كأنما يتقن العزف على أوتار النفس البشرية.
واليوم، وقد غاب عن الأضواء قليلًا، لا يزال حضوره أقوى من الغياب.
ففي كل عيد، يُعاد عرض أفلامه. وفي كل أزمة، تُستعاد كلماته. وفي كل لحظة نحتاج فيها إلى جرعة من البهجة… نلجأ إليه.
عادل إمام… ضحكة مصر، وصوتها العالي في زمن الصمت، وسيرتها الباسمة حين يعبس التاريخ.
سيبقى رمزًا فنيًا وإنسانيًا، لا يُقاس برقم أو جائزة، بل يُقاس بما زرعه من محبة، وما خلفه من نور.